Header Ad

التصنيفات

جنين في الرحم… و10 في القمامة أو في الثلاجة؟!

موعد “الفرحة الكبيرة” أتى. اجتمع الأهل والأصحاب حول العروسين اللذين أعلنا حبهما لبعضهما البعض.. وسرعان ما انهالت عليهما التهاني بالجملة الشهيرة: “نقشعلكن عريس أو عروس…”.
فبعد الزواج، جلّ ما يتمناه الحبيبان هو أن يكللا اتحادهما بطفل، وإذا تأخر الحمل، تبدأ ملامح القلق بالظهور على وجههما: ماذا لو لم نستطع تحقيق هذه الرغبة بولد؟ وماذا ستقول الحماة والكنّة والصهر والعديل؟… في الأمس كان العقم يعتبر عاراً، أما اليوم، فأصبح بالإمكان الوصول إلى ما امتنعت الطبيعة عن إعطائه.. ولكن، كيف وبأي ثمن؟
تقنية الإخصاب في الأنبوب
في 25 تموز 1978 ولد أول طفل أنبوب في بريطانيا، فعنونت الصحف البريطانية مهللّة لـ”هذا التطور العلمي غير المسبوق”. ولكن، حتى يومنا هذا، ما زال عدد كبير من الناس، ولا سيما في بلداننا الشرقية، يجهلون حقيقة ما يجري في هذه التقنية.
فمن خلالها، تتم صناعة الجنين في المختبر، عبر 6 مراحل هي التالية: أولا، تحفيز المبيض لدى المرأة واستنزال منيّ الرجل. ثانياً، إنطلاق الإباضة. ثالثاً، جمع الخلايا (البويضات والخلايا المنوية). رابعاً، الإخصاب في الأنابيب. خامساً، نقل عدد من البويضات الملقحة (اي الأجنّة) إلى رحم المرأة. سادساً، مراقبة الحمل.
وهناك نوعان من الإخصاب: أولاً الإخصاب المتجانس، حين تكون البويضة من الزوجة والمني من الزوج ويحمل الجنين في رحم الزوجة. وثانياً، الإخصاب المغاير، حيث تستعار البويضة أو المني من غير الزوج والزوجة، وبالإمكان أحياناً في هذه الحالة أو في الإخصاب المتجانس إستعمال رحم امرأة أخرى تسمى المرأة الحامل البديلة. وفي كلتا الحالتين، وبعد وضع الأجنّة في الرحم (حوالي الـ3 وقد يزرعون أكثر أيضاً)، يتم إجهاض ما يزيد في الرحم ليبقى هناك ولد واحد في رحم الأم، ويجري رمي الأجنة “الزائدة” في سلّة المهملات أو تجميدها بسائل الأزوت بدرجة 196 تحت الصفر. وهذه الأجنة المجمدة هي كائنات بشرية مجهولة المصير.
وفي هذا الإطار، تؤكد الدكتورة ميرا الجميل، المسؤولة عن ماستر متخصصة بعلم التناسل والنمو، أنه “منذ لحظة انصهار البويضة مع خليّة منوية، يتكوّن لدينا خليّة حيّة بحسب ما يؤكد العلم، لأن هذه الخلية ستتطور وتنمو مع الوقت، وهي خليّة إنسانية، إذ إنه منها لا يمكن أن يتكوّن لدينا حيوان أو نبتة”. وترى أنه كما أن للطفل عددا من الخلايا أقل من الرجل الراشد، كذلك هذا الكائن الحيّ بشكله الأول لديه خلايا أقلّ من الطفل ولكن هذا لا يجعل منه أقلّ إنسانية.
إن واقع التعامل مع الأجنّة بنوع من “الإستخفاف” وتدخّل شخص ثالث في عمليّة الحمل وهو الخبير، بالإضافة إلى عدد كبير من المخالفات في مجال الإخصاب بالأنبوب، دفع عدداً من أصحاب الإختصاص، ولا سيما أولئك المهتمين منهم بأخلاقيات علوم الأحياء، إلى وضع نقاط إستفهام كبيرة حول مدى تبرير الغاية للوسيلة. فغاية الحصول على طفل الموجودة لدى الزوجين هي غاية سامية والرغبة بذلك محقّة لا بل مقدّسة، ولكن البعض يرفعها إلى مرتبة الحق ويتسلح بهذا “الحق”، معتبراً أن كل الطرق متاحة للوصول إليه. وغالباً ما يصف البعض من يعارض هذه التقنيات الحديثة لأسباب إنسانية أو أخلاقية أو دينية بـ”المتخلف”.
النظرة الأخلاقية لإنتاج الأطفال في المختبرات
أخلاقيات علوم الأحياء لا توافق مع فكرة ان يحلّ الطب مكان العلاقة بين الزوجين، فمن واجب العلم أن يساعد لا أن يحلّ مكان الشخص، فالنظارات مثلا تساعد على تحسين الرؤية، ولكنها لا تحلّ مكان العيون. وكذلك المترجم لا يحلّ مكان المحاضر وإلا يصبح هو من يحاضر. والميكروفون لا يحلّ مكان المغني بل يساعده على إيصال صوته… فهل يقبل الزوجان أن يحل أحد مكانهما عندما يكونان سوياً؟
وفي هذا الإطار، تؤكد الطبيبة كارمن ريسيو، الاستاذة في أخلاقيات علوم الأحياء، لـ”النشرة” أنه “وعند انصهار البويضة والحيوان المنوي، يتكوّن مخلوق فريد لا يتكرر أبداً، وهو إنسان 100%”، معتبرة أن “النظرة مختلفة تماماً في المختبرات، لأن الحياة هناك تخضع لقواعد السوق ولنظرية العرض والطلب: فعندما تشتري غرضاً ما، تريده أن يكون بنوعية جيدة، وهكذا ما يحدث أيضاً مع الـin vitro   أي التخصيب في الأنبوب”. ويشبه البعض ما يجري في المختبرات من انتقاء لـ”الأفضل” بما كان يقوم به الزعيم الالماني النازي أدولف هتلر في ألمانيا، سعياً منه لتطهير بلده من كل من ليس “جرمانياً”. ففي المختبر، بحسب ريسيو “نريد أن نحصل على “المنتج” لو مهما حصل وبأي وسيلة ممكنة، فنكوّن مخلوقات بشرية، نرمي جزءاً منها، نثلّج الجزء الآخر، نزرع عددا منها في رحم المرأة ومن ثم نجهضه لنبقي على واحد أو اثنين فقط… وننتقي ما نجده الأفضل، لأننا نريد أن يكون المنتج جيداً. وهذه الحقيقة يجهلها العديد من الذين يلجأون لهذه الوسيلة التقنية”. فمعظم الأزواج الذين يلجأون إلى هذه التقنية، لا يعرفون فعلاً ما يجري، ولا أحد يشرح لهم الأمور على وجهها الحقيقي لكي يتمكنوا من أخذ خياراتهم بناءً لما يمليه عليهم ضميرهم وحريّتهم.
وتشرح ريسيو أنه “من وجهة نظر أخلاقيات علم الأحياء، فإن هذه التقنيات مرفوضة لأنها تتعرض أولاً للحياة البشرية بشكلها الأول. ثانياً، فإنه أثبت علمياً أن هذه التقنيات تؤدي إلى المزيد من الأمراض لدى الأم والطفل، وتؤدي إلى ارتفاع نسبة العقم في المجتمعات. وهذا ما تؤكده الجميل، مشيرة إلى أن “للعقم أسباب جينية في أغلب الأحيان، ولأننا لا نقبل بما قررته الطبيعة، نتعدّى عليها، وننقل هذه المشاكل الجينية إلى الجيل الثاني أو الثالث… ونتجه أكثر فأكثر إلى أجيال أكثر عقماً”.
ثالثاً، من وجهة النظر الأخلاقية، فبحسب ريسيو، يحق “للطفل أن يأتي نتيجة إتحاد والديه، لا من خلال مجموعة من المتخصصين أي دون أن “يصنّعه” طبيب أو خبير أو كائناً من يكون… إذ لا يمكن للولد أن يأتي إلى هذه الدنيا مثل السيارة، أو مثل المعلبات!”. وفي هذا الإطار، تشدد على ضرورة  أن يسعى العلم وأن يضع كافة جهوده لحلّ مشكلة العقم، معتبرة أن هذا واجب على العلم ولا يجوز أن يسمح لنفسه أن يحلّ محلّ الأهل بأي شكل من الأشكال.
وتوضح أن “الإنجاب ليس مجرد مسألة بيولوجية، ففيها تدخل الإرادة والحرية والحب، وهو بالتالي مسألة إنسانية، يمكن أن نحافظ على إنسانيتها ويمكن جعلها مجرد مسألة حيوانية”. ولا تنفي ريسيو أن يكون العقم “موجعا للغاية”، ولكنها تشير إلى أنه “لا يجوز أن يكون الطفل مجرد وسيلة لإشباع رغبات الأهل…”، وتؤكد أن “نتائج الـ”إن فيترو” ليست مضمونة، وتترافق مع مشاكل نفسية لدى الأهل أو الطفل أحياناً”.
وتجدر الإشارة إلى أن “الإحصاءات العالمية تشير إلى ان ثلث النساء اللواتي يلجأن إلى هذه التقنية يحصلن على ولد، فيما عدد الأجنة المضحى بها يبلغ 80%”. 
المجتمع اليوم “أكثر عقماً”
ومن الملاحظ اليوم أن مستوى العقم يرتفع جداً في مجتمعاتنا، وتعيد ريسيو أسباب ذلك إلى كون العقم “وليدة هذا المجتمع، ووليدة حضارة الموت، فأصبح الكثيرون يعتمدون كل الوسائل الممكنة لعدم الحمل، مع ما يترتب عن ذلك من مشاكل في ما بعد تؤدي إلى صعوبة في الحمل، وبالإضافة إلى ذلك، فسنّ الزواج بات اليوم متأخراً جداً. إلى جانب التشنج الذي يؤدي أيضاً إلى صعوبة في الحمل”.
بدوره، يعتبر أحد المتخصصين في هذا المجال، في حديث لـ”النشرة”، أن “التلوث، واستعمال الأدوية دون معرفة مفعولها الرجعي، والتدخين، والإدمان على الكحول، بالإضافة عدد من المشاكل النفسية… كلها أسباب تؤدي إلى هذا الإرتفاع بنسبة العقم”. ويشير إلى انه “بعد دراسة أجراها، أثبت أن أحد الرجال العقيمين المدمن على الكحول، تمكن من أن يحصل على طفل بطريقة طبيعية بعد أن أوقف شرب الكحول لمدة 3 أشهر”، مشدداً في هذا الإطار على أن هذا يثبت أهمية دور الطبيب في السعي أولاً “لتخفيف كل ما يمكنه أن يؤثر سلباً على الحمل الطبيعي قبل اللجوء إلى “التقنيات التجارية”.
وتشرح الجميل أنه “لا يمكن الحديث عن مشاكل في الإنجاب لدى الزوجين إلا بعد سنتين من العلاقة دون وقاية، عندها عليهما الذهاب إلى الطبيب الذي من واجبه القيام ببعض الفحوصات قبل التوجه مباشرة إلى التدخل التقني في الحمل”. وتقول: “لا يمكن الحكم على الزوجين من فحص واحد، فيجب القيام بعدّة فحوصات في فترات متباعدة بأشهر قليلة لأنه يمكن أن يكون الزوج أو الزوجة يمران في مرحلة نفسية صعبة أو بمرحلة متشنجة أو أن أحدهما يتنفس بعض المواد السامة التي تؤثر عليه… فهناك أمور كثيرة تؤثر في لبنان خصوصاً لأن مستوى التلوث مرتفع جداً”. وتؤكد أنه “لا يجوز للطبيب أن يوجه المريض مباشرة إلى تقنيات الحمل الإصطناعية قبل دراسة الحالة الجينية وإجراء دراسة على الهورمونات…إلخ”.
أما ريسيو، فتشبه ما يجري اليوم من “تعديات على الحياة البشرية” بما يجري في العالم من “تعديات على الطبيعة”، مشيرة إلى أنه “وكما أن العالم يشهد اليوم مؤتمرات عالمية تسعى للحد من مخاطر ما وصلت به الأمور على الصعيد البيئي نتيجة تعدي الإنسان على الطبيعة، كذلك سيشهد العالم قمما عالمية في هذا المجال أيضاً لأننا نتخطى كل حدود الطبيعة… وحينها لا ينفع الندم”. وتقول: “عندما لا نحترم الطبيعة وقواعدها سنصل حتماً إلى مشاكل عدة قد لا تكون كلها ظاهرة للعيان اليوم”.
غالباً ما يتم الإشارة إلى التخصيب بالأنبوب على أنه “الحلّ السامي لتحقيق حلم كل شخص يريد طفلاً”، ومن النادر جداً أن يتم عرض حقيقة ما يجري. فمن خلالها يتحول الخبير من خادم للحياة البشرية إلى مالك لها، يتصرف بها كما يشاء… والمريض “آخر من يعلم!”. وللحديث تتمّة…