Header Ad

التصنيفات

لماذا قتلت تركيا ٤٠ الف علوي؟

لم يحترم قادة «حزب العدالة والتنمية» في تركيا الحد الأدنى من مشاعر 20 مليون علوي، عندما قرر رئيسا الجمهورية عبدالله غول والحكومة رجب طيب اردوغان إطلاق اسم «ياووز سلطان سليم» على الجسر الثالث المزمع إنشاؤه على مضيق البوسفور. ولا تبعد التسمية عن استفزاز آخر لكل من إيران والعرب.

ذلك أن «ياووز سلطان سليم» ليس سوى السلطان سليم الأول الذي حكم الدولة العثمانية بين العامين 1512 و1520، وهو السلطان التاسع في السلالة العثمانية. وقد تميز حكمه بمجموعة من الأحداث التاريخية المفصلية.

وجاءت تسمية الجسر الجديد باسم السلطان سليم في لحظة حساسة من تاريخ المنطقة، وتعاظم النزعة المذهبية، كما لدى النظام التركي كذلك في المنطقة، وهو ما يثير استغرابا عن سبب صب الزيت على النار من جراء هذه التسمية.

1- إذا كان من سلطان عثماني يثير سخط العلويين في تركيا فهو السلطان سليم الأول، الذي كان فاتح عهد المذابح ضدهم في الأناضول عند تسلمه العرش في العام 1512. إذ أن السلطان سليم الأول اتهم العلويين الأتراك في الأناضول بأنهم يتآمرون مع الشاه إسماعيل الصفوي للسيطرة على الأناضول ونشر مذهب التشيع، فاستبق حملته العسكرية على إيران بسلسلة من المجازر التي ذهب ضحيتها أكثر من 40 ألف علوي، وكانت نقطة التحول في العلاقة بين العلويين والدولة العثمانية، الى ان جاء مصطفى كمال اتاتورك واعتمد النظام العلماني الذي رأى فيه العلويون بابا للنجاة من ظلم السلاطين العثمانيين.

وقد استكمل السلطان سليمان المعروف بالقانوني مآثر أبيه سليم الأول، وواصل اضطهاد العلويين في تركيا. ومن المثير فعلا أن يصر قادة «العدالة والتنمية» في خطبهم على استذكار السلطان سليم الأول تحديدا، ما يعتبره العلويون تحديا لهم واستفزازا لمشاعرهم.

ومنذ لحظة الإعلان رسميا عن اسم الجسر الثالث على المضيق الفاصل بين أوروبا وآسيا في أقصى الطرف الشمالي للبوسفور، على مقربة من مدخل البحر الأسود، توالت ردود الفعل وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات.

واعتبر العديد من الكتّاب اطلاق اسم «ياووز سلطان سليم» على الجسر الجديد خطوة غير موفقة على الإطلاق، وتحمل الكثير من قصر النظر والنوايا السيئة في الوقت ذاته، لا سيما ان تركيا تشهد توترات مذهبية متجذرة منذ عقود، ساهم الوضع في سوريا في تظهيرها للرأي العام الخارجي.

ورأتالباحثة دنيز اري بوران ان الاسم رسالة من السلطة الى اننا «نحن جاهزون» ويعكس قلة فطنة. ورأى الكاتب عصمت بركان أن إطلاق اسم الجسر على اسم سلطانجاء إلى الحكم بخلع والده له دلالة. ورأى مراد صابانجي أن الجسر يوجدليوحّد، لكن إطلاق هذا الاسم عليه جاء ليفرّق.

ورأىالنائب عن حزب الشعب الجمهوري حسين آيغون أن إطلاق اسم جلاّد العلويينوقاتلهم على الجسر هو إهانة وتحقير جديدان للعلويين. ورأى النائب السابقمحمد بكار أوغلو انه كان أجدى إطلاق اسم السلطان سليمان القانوني الذي توجهبفتوحاته غربا فيما سليم الأول ذهب شرقا. وندد إسماعيل سايماز بالخطوة،وقال «ما دام الأمر كذلك لكان الأجدى لهم أن يطلقوا على الجسر اسم معاويةأو يزيد». ورأى اوغور غورسيس أن قدمه لن تطأ مطلقا الجسر الجديد لدىالانتهاء منه.

ويجمع المراقبون أن اسم الجسر الجديد سيزيد من التوتر المذهبي في الداخل التركي، ويقلل التطلعات بشأن قيام مصالحة بين النظام في تركيا والكتلة العلوية المحرومة من مكاسبه وتقديماته.

2- يشكل الاسم الجديد للجسر استفزازا أيضا لإيران حيث عرف السلطان سليم الأول بأنه أول من حاول إنهاء الدولة الصفوية الشيعية، رغم أن الصفويين كانوا من التركمان، كما الأتراك. لكن تصميم السلطان سليم على إنهاء خطر التشيع في الدولة الصفوية دفعه إلى تغير مسار توسع الدولة من الغرب وأوروبا إلى الشرق للمرة الأولى ونزع من يد العثمانيين ذريعة «الجهاد» للتوسع في أوروبا المسيحية. وقد نجح السلطان سليم في إلحاق هزيمة مرّة بالصفويين في موقعة تشالديران في العام 1514 من دون أن ينجح خلفاؤه في الحفاظ على النصر، وتحول الصراع إلى كر وفر إلى أن انتهى باتفاقية قصر شيرين في العام 1639 بين البلدين.

3- وللسلطان سليم الأول في ذاكرة العرب موقعا سلبيا إذ في عهده سقطت البلاد العربية بيد العثمانيين بعد موقعة مرج دابق الشهيرة عام 1516، ومن بعدها سقوط مصر بعد معركة الريدانية في العام 1517. وبذلك كان العرب يدخلون تحت استعمار جديد قادم من الخارج، استمر حتى العام 1918 عندما قامت الثورة العربية الكبرى وأنهت، بالتعاون مع الانكليز والفرنسيين، أربعة قرون من حقبة عثمانية اتسمت بالتخلف الثقافي والاضطراب السياسي والفتن الدينية والمذهبية وهيمنة النظام الإقطاعي والضرائبي الذي كان من أسباب الفقر والمجاعات خلال المرحلة العثمانية. وكأن «حزب العدالة والتنمية»، بإطلاق اسم «ياووز سلطان سليم» على الجسر الجديد، يريد تذكير العرب في لحظة الصراع الحالي في المنطقة، وفي سوريا تحديدا، أن العثمانيين القدماء لا يزالون أحياء في العثمانيين الجدد. ولا شك أنها خطوة غير ناجحة وتزيد من الهواجس والقلق بين العرب والأتراك، ومن شكوك العرب في نوايا «حزب العدالة والتنمية» الذي يريد إعادة تركيا إلى المنطقة بقوة النزعات الاتنية والمذهبية والمعونة الأطلسية.

4- ويطلق اسم «ياووز سلطان سليم» على الجسر الجديد جملة من التساؤلاتوالنقاشات. ذلك أن الجسر الأول الذي بني في مضيق البوسفور أطلق عليه اسمجسر السلطان محمد الفاتح. والجسر الثاني والمعلق أطلق عليه اسم «بوغازجي». وبما أن اسم سلطان عثماني قد أطلق من قبل فلم تكن هناك ضرورة لإطلاق اسمسلطان عثماني آخر على الجسر الثالث.

وبما أن الجسر يربط بين قارتي آسيا وأوروبا، فقد كان الأفضل لو انه حمل اسم شخصية تحمل صفات التواصل بين تركيا والغرب. وربما كان اسم أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة وباني نهضتها على النمط الغربي، وفي مقدمتها العلمانية الأجدر بأن يحمل الجسر الجديد اسمه. ولكن بما أن هذا الاقتراح مرفوض سلفا من قبل سلطة «العدالة والتنمية» التي تعمل ليل نهار على تصفية الإرث الأتاتوركي فربما كان اختيار اسم له صفات إنسانية خيارا ناجحا. لكن المشكلة أن «العدالة والتنمية» غير مهتم بالانضمام إلى أوروبا، ويوجه وجهه شطر الشرق تماما كما فعل «ياووز سلطان سليم».

في المحصلة سيبقى إطلاق اسم «ياووز سلطان سليم» على الجسر الجديد مثار نقاش لمدة طويلة في تركيا، وسيدرك من اتخذوا القرار أنهم يزيدون من الانقسام الداخلي، ويقودون البلاد عن سابق تصور وتصميم إلى فتنة مذهبية