Header Ad

التصنيفات

لماذا سرقت مني الوطن يا طارق ؟

( الصورة الاولى في اعتصام امام السفارة الفرنسية احتجاجا على زيارة طارق عزيز لفرنسان عام ١٩٩٨ ويظهر احمد الجلبي وصاحب الحكيم وهشام الحسن واكرم الحكيم ، وانا ، واخرون )
بدأت تجربتي مع طارق عزيز عام ١٩٦٩ حين تولى رئاسة تحرير جريدة الثورة بعد كريم محمود شنتاف. كنا مجموعة من الصحفيين اليساريين والشيوعيين والقوميين والمستقلين الذين يعملون في اطار المؤسسة العامة للصحافة التي انشئت اثر تأميم الصحف في نهاية ١٩٦٧ ولم يسمح بالعمل الصحفي الا في اطارها. وكان لها ثلاث جرائد هي الجمهورية والشعب والثورة ومجلة هي الف باء.
جاء عبد الخالق السامرائي بعد ايام من انقلاب ١٧ -٣٠ تموز ١٩٦٨ . اجتمع بنا وقال اننا نريد منكم ان تبقوا في اماكنكم الصحفية فنحن لسنا بعثيي ٨ شباط ١٩٦٣، وانما نريد ان نشترك جميعا في بناء الاشتراكية. لم يكن في نيتي على الاقل ان اصدقه. فبعد اقل من عام جاء طارق عزيز الى رئاسة التحرير.
منذ ان جاء الى رئاسة التحرير بدأ تصفية الصحفيين غير البعثيين. في البداية جاء يتدرب فيها بعثيون عديدون منهم ناجي الحديثي الذي اصبح آخر وزير خارجية وكان آنذاك رئيس الاتحاد الوطني للطلبة في كلية الاداب. وفهد الشكرة رئيس الاتحاد الوطني للطلبة وصاحب السماوي وعبد الجبار الكرخي وغيرهم.
ذات يوم واجهني طارق عزيز بعد ان طلبني الى مكتبه اثر انتقادات وجهتها للسياسة الصحفية للجريدة. قال : اسمع هذه الجريدة هي جريدتنا قلت له نعم هي جريدتكم. قال وهذا الحزب هو حزبنا قلت نعم هو حزبكم، ثم قال وهذا الوطن هو وطننا. قلت له بحدة: لا. هذا الوطن وطني ايضا. وطن لكل العراقيين. ارتفع صوتي وارتفع صوته فمددت يدي الى التلفون على مكتبه والذي كان من بلاستك ازرق لارفعه واضربه به فنادى باعلى صوته مدير مكتبه محمد امين الكردي البعثي ذا الشوارب البعثية الكثة فحال بيني وبينه. بعد اقل من ساعة جاءني محمد امين بامر نقلي واعادتي الى المؤسسة العامة للصحافة التي اصبحت مؤسستين الاولى باسم دار الجماهير للصحافة والثانية دار الحرية للطباعة. لن اتحدث عن مشاكلي بعد ذلك فالحديث مخصص لطارق عزيز.
طرد طارق عزيز من رئاسة التحرير بعد ذلك باقل من سنة. وفي عام ١٩٧٠ كنت مارا في نفق الشورجة واذا بطارق عزيز يقابلني وجها لوجه وهو يحمل اكياسا ورقية فيها بعض البضائع. وقف وسلم عليّ فوقفت . كان يريد ان يشكو همه. قال هل رأيت ماذا صنعوا بي؟ قلت له سمعت. قال متشكيا :نقلوني معلما الى الرمادي. كان احمد حسن البكر يشك بانه جاسوس ولم يكن يطيقه. لكن صدام كان يعرف ما لا يعرفه البكر عن اهمية طارق عزيز.

حين سمعت عام ١٩٧٤بانه اختير عضوا احتياطا في القيادة القطرية، باصرار من صدام خلال المؤتمر القطري الثامن، قلت هذه بادرة سوء خطيرة من حزب البعث. بعد اسابيع اصبح وزيرا للثقافة والاعلام، وكان اول ما فعله هو منعي من العمل في الاذاعة ومنعي من الدخول اليها. ابلغني محمد سعيد الصحاف بأدب، فقد كان يريد ان يبدو مثقفا بان لا اعود الى الاذاعة لانهم ابلغوا الاستعلامات بمنعك من الدخول منذ اليوم ولكني لم اشأ ان تتعرض للاهانة.
بدأ طارق عزيز يعد القوائم السوداء. وتولى الاشراف على مكتب الثقافة والاعلام القومي الذي كان يخطط بشكل يومي لتحويل الثقافة والاعلام الى جهازين امنيين قمعيين .وبدأت الثقافة الفاشية تحكم قبضتها على الثقافة العراقية. كان طارق عزيز يطبق سياسة وزير دعاية هتلر ، جوزيف غوبلز الذي قال جملته المشهورة (كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي).
تحول العمل في الثقافة والعمل الى تبعيث مخطط لتبيعث المجتمع كله. وكانت هذه هي مهمة طارق عزيز. وفي سياق التطبيق ابعد طارق عزيز عن وسائل الاعلام كل الشيوعيين والقوميين والديمقراطين المستقلين. وكان شرط العمل في الاعلام هو الانتماء لحزب البعث والتفاني في خدمة صدام.
عمل طارق عزيز على اشاعة الارهابين الفكري والجسدي وتطبيقهما. وخطط لسياسة عبادة الفرد وتدمير الثقافة المدنية وجعل من الثقافة البعثية ثقافة مرتبطة بالأمن والمخابرات والتقارير والوشايات والكذب.
كانت زوجتي ندى الهاشمي موظفة في مديرية النشر في الوزارة. فبدأ بمضايقتها وأمر بان تدخل من الباب الخلفي للوزارة حيث كانت تتعرض لسماع بعض الكلام المتحرش من عمال وباعة بسطاء.كان يؤمن بمعاقبة كل من يمت بصلة لمن يريد قمعه. كنت شاعرا ثوريا لا اساوم وكان صوتي يصرخ: الشعراء يهجون الملوك. فقد منع طارق عزيز نشر ديواني الشعراء يهجون الملوك الذي ظل ممنوعا اربع سنوات.
وفي مطلع عام ١٩٧٦ حدثت المشكلة مع صدام حسين مباشرة بعد نشري ثلاث تحقيقات عن المرأة العراقية بمناسبة العام الدولي للمرأة التي اعلنته الامم المتحدة وكان عام ١٩٧٥
تحمس طارق عزيز لتطبيق العقوبة التي امر بها صدام . صدام امر بمنعي من الكتابة والسفر والعمل الصحفي.
لم اجد كمية من الحقد اكبر مما وجدته عند طارق عزيز. كانت ميزته الاساسية هي الكره، الكره الذي خلفه وكرسه عند المثقفين وبثه في الاذاعة والتلفزيون والصحف فتسرب الى الناس. ولذلك عندما عدت الى بغداد لأول مرة بعد ٢٧ سنة منفى واجهني كثير ممن التقيت بهم بالكره واستكثروا علي حتى عودتي الو وطن اغتصبوه واجبرونا على الرحيل منه ومازالوا يجبروننا على ذلك.
كان دور طارق عزيز في تدمير العراق خطيرا جدا. كانت مهمته قتل الروح الوطنية عند العراقيين. وتحويل انظارهم من الازمات التي يعيشونها الى عبادة صدام والغناء له وكتابة القصائد والمقالات التي كانت بمثابة طقوس عبادة لصدام. وكانت الطريقة التمثيلية غير المسؤولة التي اهمل بها رسالة بوش الى صدام في اجتماع جنيف قبل حرب ١٩٩١ والتي يقول فيها بوش لصدام ان امريكا سترجع العراق الى القرون الوسطى تدل على مدى استخفافه بالعراق والشعب العراقي. كان تصرفه تصرف رجل عصابة وليس رجل دولة.
وكلما سمعت بان احدا يقول جاء اهل الخارج كلما تذكرت دموية وكره طارق عزيز.
في اول يوم لمحاكمته دعتني قناة الجزيرة، وانا في لندن، للمشاركة في ندوة ضمت ابنه زياد ومحاميه وهو محامي صدام ايضا. تحدث زياد عن ابيه كما يتحدث عن قديس. فقلت انني افهم مشاعر الابن ولكن طارق عزيز كان مجرما وشرحت بعض ما فعله ضد الشعب العراقي ودوره في محاولات تدجين العراقيين وتحطيمهم.
لم اكن من مؤيدي اعدامه، او اعدام اي شخص. حتي ان جريدة السنداي تايمز اجرت معي مقابلة بعد يومين من اعدام صدام بدأتها الصحفية بسؤال سخيف: هل تشفيت الان وحققت انتقامك من صدام ؟ فقلت لا اتشفى ولا انتقم. اريد فقط ان ارى العدالة متحققة في بلادي. فصدام مجرم ويجب ان يواجه القضاء.
طارق عزيز خطط لحرماننا من وطننا باعتباره وطنه وحده . لماذا اذن طلبت انت او طلبت عائلتك ان تدفن في ارض اخرى؟بينما ما نزال ندفع ثمن غربتنا التي اجبرتوننا عليها ويواصل اجبارنا عليها من تربى على الكره والحقد واعتبار الوطن وطنه وحده سواء كان هذا الـ(من) بعثيا او اسلاميا او من اي ايديولوجيا لا تؤمن بان الوطن ليس اقطاعا لاحد.
المذيع البريطاني الملون السير تريفر مكدونالد بث في يوم تسليم طارق عزيز لنفسه لقاء معه قبل الحرب يسآله فيه فيما اذا دخل الامريكان واسروك فماذا تفعل فقال طارق عزيز افضل ان اموت ولا افعل ذلك. وقد عمل مونتاجا لقوله فكرره اكثر من ثلاث مرات.I prefer to die . لكنه لم يفعل وعاش ذليلا في سجنه رغم ان شخصا اميا مغمورا ورخيصا اسمه علي الدباغ جاء بصدفة مثلما يجيئ بائع جوال فيغتني من بضاعة فاسدة اجرى مقابلة ممنوعة قانونيا مع سجين، قدم خدمة لطارق عزيز لكي يتحدث كضحية.
قال مكدونالد لقد كذب طارق عزيز. لكن طارق عزيز يؤمن مثلما آمن غوبلز بقوله (اكذب حتى يصدقك الناس)
في خبر مصور يتقدم طارق عزيز الى صدام حسين ليقدم له النائب البريطاني جورج غالوي الذي كان يتاجر باطفال العراق. حاى الان اتذكر انني تساءلت هل طارق عزيز هو رفيق لصدام حسين ام مراسل عسكري. لقد تقدم ووقف وهو يرتدي الملابس العسكرية بينما صدام يرتدي بدلة مدنية. وقف ثم ادى تحية ذليلة لسيده. هكذا صنع طارق عزيز أكذوبة ثم صدقها هو في سياق سعيه لتصديقها من الناس الذين صدقها اكثرهم مع الاسف.

في اول لقاء لي بعد عودتي الى العراق بالمرحوم السيد عبد العزيز الحكيم سألني عن رأيي باعدام صدام فقلت كان يجب اعدامه ثقافيا واخلاقيا اولا واجراء محاكمة ثقافية واخلاقية له يدعي فيها اولا عوائل رفاقه البعثيين الذين اعدمهم. طارق عزيز كان يجب ان يقدم لمحاكمة ثقافية واخلاقية اولا. كان شاهد زور في تموز ١٩٧٩ على اعدام رفاقه في حفلة دموية يعرفها العراقيون. ولكن من يفعل ذلك وليس لدينا مثقفون وليس لدينا رؤية اخلاقية للسياسة.