Header Ad

التصنيفات

سعدون حمادة: لبنان كان شيعياً

د. سعدون حمادة: لبنان كان للشيعة حتى العام 1760

كشف عن 845 وثيقة تقلب تاريخ البلد
د. سعدون حمادة: لبنان كان للشيعة حتى العام 1760
*((جمهورية العصاة الحرة الشيعية)) امتدت من كسروان حتى حلب
*معركة عنجر كذبة كبيرة وفخر الدين قاتل إلى جانب العثمانيين
*اتفقت البابوية وفرنسا مع السلطان العثماني على إنشاء ((دويلة مارونية)) فبدأ عهد اضطهاد الشيعة وتهجيرهم
*الحاكم الشيعي كان هو من يثبت البطريرك وبإشرافه تتم مراسم تنصيبه
*كسروان بجميع قراها سكنها الشيعة والوجود المسيحي لم يتخطّ نهر ابراهيم
*فارس شقير أول ماروني يسكن كسروان عام 1712 وأول كنيسة عمّرها الشيعة في حراجل
*ثورة 1685 أعطت الشيعة حكماً ذاتياً وأشهر قادتها سرحان والشيخ مشرف وشديد الحرفوش
*عام 1686 كان التوزيع السكاني في لبنان: 38% شيعة و30% سنّة و18% مسيحيين و14% دروز
*كل من كتب عن لبنان في القرنين الثامن والتاسع عشر تنبّأ بزوال الشيعة لأنهم بلا حماية خارجية
*سرحان فاوض السلطان العثماني على حكم ذاتي وعدم دفع الضرائب فرفض فاندلعت الثورة
*((القزلباش)) اسم أطلقه العثمانيون على الشيعة اللبنانيين ومعناه الرؤوس الحمر
*القنصل الفرنسي بيكيت أول من طرح فكرة دويلة مسيحية في منتصف القرن الثامن عشر وسمعان السمعاني أول من سعى لتطبيقها
*((تاريخ الدويهي)) لم يكن أميناً ودقيقاً وكتب التاريخ كما يريد
*جبل لبنان سمّاه العثمانيون جبل سرحان وأحمد المعني تعاطف مع الشيعة فعزله السلطان العثماني

منذ سنوات عديدة قادت الابحاث التي قام بها الدكتور سعدون حمادة إلى العثور على العبارة الذهبية ((افتح يا تاريخ
لبنان))، فوجد كنوزاً من الوثائق الرسمية التي قد تقلب تاريخ لبنان رأساً على عقب والتي سيكشف عنها قريباً في كتاب عن تاريخ لبنان ما بين عامي 1516 و1760 وتحديداً ما بين عامي 1685 و1702 وما جرى خلالهما من ثورة شيعية على العثمانيين انتهت بإقامة جمهورية مستقلة ذاتياً امتدت من جبل عامل فكسروان فبعلبك وصولاً إلى تخوم حلب.
والدكتور حمادة الحائز على شهادة دكتوراه في التاريخ يعزز دراساته وأبحاثه التاريخية بخلفية قانونية وفرتها دراسته ((القانون الدولي)) الحائز فيه أيضاً على شهادة دكتوراه من كلية الحقوق في جامعة السوربون في فرنسا.
((الشراع)) التقت د. حمادة وأجرت معه الحوار التالي حول ((تاريخ لبنان الجديد)) كما تقول وثائقه:
# في تاريخ لبنان اشكاليات كثيرة، ومنها غياب الشيعة عن هذا التاريخ. لماذا؟
– لا شك بأن تاريخ الشيعة في لبنان مغيب، وما هو مكتوب من التاريخ المعروف لا دور للشيعة فيه، وإن كان من دور فهو دور هامشي، وهذا حصل إما عن قصد أو غير قصد، أي بفعل فاعل أو جهل جاهل، وبمعنى آخر فإن من كتب في تاريخ لبنان إما كان يجهل التاريخ أو حاول أن يكتب التاريخ كما يتمنى هو أن يكون، فأسقط كل ما لا يتوافق وتطلعاته وخلفياته، ولذلك فإن تاريخ لبنان المعروف يفتقر إلى الكثير من الحقيقة والموضوعية، لا بل فيه الكثير الكثير من الاكاذيب وذكر للوقائع بشكل مناقض تماماً لما حصل فعلاً، وللأسف لا يوجد اليوم بين أيدينا تاريخ للبنان قبل القرن السابع عشر، لا تاريخ لأي طائفة، والكتابة عن تاريخ لبنان بدأت في ذلك القرن، وأول من كتب فيه هو البطريرك الماروني الدويهي، هذا إذا تجاوزنا قصائد مروية قيلت وحُفظت من قبل وتضمنت بعض الحكايات والاساطير، مثل ((زجلية القليعي)) المشهورة التي تسبق تاريخ الدويهي، وهي كناية عن زجلية عامية تروي بعض الحكايا والاساطير التي لا يمكن اعتمادها كحقائق تاريخية، وهناك ((ابن سباط)) في الشوق الذي كتب عن تاريخ لبنان، ولكن ما كتبه ينتهي إلى سنة 1514، أي قبل الفتح العثماني مباشرة، وهو سبق البطريرك الدويهي غير انه لم يركز على لبنان، بل كتب بشكل عام عن تاريخ المنطقة، مثل كتب التاريخ الأخرى التي كانت متداولة أيام المماليك حينها بينما البطريرك الدويهي هو أول من ركز على لبنان، وما كتبه يمتد إلى سنة 1702 تاريخ وفاته والمؤرخون بعد الدويهي كانوا بمعظمهم لأسباب متعددة من الطائفة المارونية واعتمدوا بالدرجة الأولى على تاريخ البطريك الدويهي، منهم الشدياق والشهابي والعنطوريني، وكلهم اتخذوا من تاريخ الدويهي أساساً لما كتبوه، وتدل كل الوثائق التي بدأ الكشف عنها ان البطريرك الدويهي لم يكن أميناً في كتابة تاريخه، أو إذا لم نرد التشكيك نقول لم يكن دقيقاً فيما كتبه، عدا عن انه كتب تاريخه من زاوية ضيقة جداً ورؤية لم تتسع لكل ما جرى من أحداث وحقائق، أي ليس من زاوية لبنانية واسعة.
# تجاهل تاريخ الشيعة؟
– هو يذكر الوجود الشيعي في عشرات المواضيع، ولكن ما ذكره عن الشيعة لا يُفهم منه انهم كانوا موجودين في جبل لبنان، وان وجودهم مستمر، وانهم شاركوا وصنعوا الاحداث التاريخية، وساهموا في تطويرها، هو روى بعض الوقائع المتفرقة عنهم والتي لا رابط بينها وغلّب فيها وجهة نظره، وكانت في الحقيقة مجحفة جداً بحق الشيعة.
# يفهم من كلامكم ان للشيعة وجوداً قوياً في جبل لبنان في تلك الحقبة؟
– كان للشيعة وجود قوي في كل النواحي التي تشكل لبنان اليوم، ووجودهم في جبل لبنان كان مكوناً رئيسياً في تلك الحقبة التي نتحدث عنها والتي تبدأ منذ بداية الفتح العثماني سنة 1516 حتى منتصف القرن الثامن عشر ففي ذلك الحين كان الشيعة المكون الأساسي في لبنان كله، وكانوا يسيطرون على معظم لبنان الحالي، والذي يتشكل حينها من أربع نواح أو وحدات تاريخية هي جبل عامل وبلاد بعلبك والبقاع وجبل لبنان وجبل الشوف، ففي ثلاث من هذه الوحدات الأربع كان الشيعة يسيطرون عليها باستمرار والحكم فيها والإدارة لهم، وهي جبل عامل وبلاد بعلبك وجبل لبنان.
# ما هو جبل لبنان في تلك الحقبة؟
– هناك إشكال حول اسم جبل لبنان، فهو تاريخياً الجبل الذي يمتد من طرابلس إلى بيروت ويشمل مجموع الولايات التي كانت تابعة لولاية طرابلس وهذه الولاية كانت تتألف من قسم من الساحل السوري، وقسم آخر لبناني هو جبل لبنان الذي يضم حالياً جبيل وكسروان والبترون والفتوح وجبة بشري والزاوية.
أما جبل الشوف، فلم يطلق عليه اسم جبل لبنان إلى مؤخراً ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر، وكان اسمه دائماً ((جبل الشوف)) أو ((جبل الاشواف)) أو ((جبل الدروز))، ويتألف من أربع نواح معروفة هي الغرب والجرد والشوف والمتن.
# إذا كان الوجود الشيعي يحكم ثلاث مناطق أو نواح من لبنان من أصل أربع. فكيف يُعقل إذن أن يتم تغييب هذا التاريخ إذا كان حقيقياً فعلاً؟ إذ يجب أن يكونوا هم من يصنعون التاريخ وليس غيرهم، وهذا مناقض تماماً لما هو بين أيدينا اليوم؟
– هنا مأساة التاريخ اللبناني، هنا المأساة الكبرى. فالتاريخ اللبناني المعروف ناقص ومجتزأ وغير حقيقي، والتاريخ الحقيقي للبنان طُمس واستبدل بتاريخ الشوف، فاليوم التاريخ الكلاسيكي الذي يدرس في المدارس والمتداول هو تاريخ الشوف، أي تاريخ المعنيين ثم تاريخ الشهابيين، تاريخ منطقة محددة، لم تتجاوز في أية مرحلة نسبة 8 بالمئة من أرض لبنان جغرافياً و18 بالمئة سكانياً، وما تبقى من تاريخ لجبل عامل وجبل لبنان وبلاد بعلبك مغيب تماماً وبشكل شبه كامل، وما هو موجود من الوثائق والخرائط والدفاتر الرسمية للدولة العثمانية يُثبت هذه الحقيقة وبالاستناد إلى تلك الوثائق، فإن الوجود الشيعي كان وجوداً كاسحاً في جبل عامل وفي بلاد بعلبك والبقاع ووجوداً رئيسياً في جبل لبنان، والمنطقة الوحيدة التي لم يكن فيها وجود شيعي قوي هي جبل الشوف، وعلى سبيل المثال كان الوجود الشيعي في كسروان طاغياً لدرجة يمكن القول معها ان كسروان كانت شيعية مئة بالمئة حتى أواسط القرن الثامن عشر وجميع القرى فيها كانت شيعية، والوجود المسيحي حتى القرن الثامن عشر لم يكن يتجاوز نهر ابراهيم لجهة الشمال، ومن ثم لا وجود إلا للشيعة، وفي مرحلة تالية في بداية القرن الثامن عشر بدأ المسيحيون بالتوافد إلى كسروان، وأول من قدم إليها من المسيحيين هو فارس شقير عام 1712 وأول كنيسة أنشئت في كسروان هي كنيسة حراجل، وقد عمرها الشيعة للمسيحيين الذين كانوا قدموا إليها.
# هل حصلت على ارقام محددة للتوزيع السكاني في تلك المرحلة؟
– حتى سنة 1686 واستناداً الى دفتر النفوس العثماني فإن عدد سكان لبنان كان 256746، منهم 98 الف شيعي اي 38 بالمئة، والسنة 76 الفاً اي 30 بالمئة والدروز 35 الفاً اي 13 بالمئة والنصارى من مختلف المذاهب 44 الفاً اي 18 بالمئة.
# هذا عكس ما هو شائع عن ان الشيعة بدأوا يتـزايدون في لبنان مؤخراً؟
– نعم، وهذا غير حقيقي ابداً، فالشيعة كانوا اكثرية حتى منتصف القرن الثامن عشر ومن ثم بدأوا يتناقصون، حتى عادوا من جديد في الآونة الاخيرة للتزايد، بينما المسيحيون كانوا اقلية وأخذوا يتـزايدون، وفي المرحلة الاخيرة بدأت اعدادهم بالتراجع نسبة الى الآخرين، اما من ناحية الحكم والادارة فكان الامر للشيعة في جبل عامل وبلاد بعلبك والبقاع وجبل لبنان، وكل حاكم منطقة من مناطق السلطنة العثمانية كانت تصدر وثيقة بتسميته حاكماً عليها من الباب العالي، وهذه الوثائق تؤكد ان الحاكم في تلك المناطق الثلاث كان شيعياً باستمرار.
# حتى في جبل لبنان؟
– نعم كان الحاكم شيعياً وبإشرافه كان يتم تنصيب البطريرك، ويعطيه مرسوماً بتثبيته، وهناك عدة مراسيم تتضمنها الوثائق التي يثبِّت فيها الحاكم الشيعي البطريرك في موقعه، ويحدد له واجباته وحقوقه، وفي احدى المراحل كان يشترط الحاكم على البطريرك في مرسوم التثبيت ان ينفذ شرع النبي محمد والإمام علي..
# هناك وثائق في هذا الاطار؟
– هناك وثائق موجودة في مقر البطريركية المارونية، وإحداها رسالة من الحاكم الشيعي الى البطريرك بتأمين الحماية بحسب قول الله ورأيي محمد وعلي، وهي موجودة بأرشيف بكركي في جارور البطريرك سمعان الدويهي، وهناك وثيقة اخرى تتحدث عن رسالة من الحاكم الشيعي تؤكد للبطريرك ((تأييد سلطانه وإلزام العصاة بطاعته وتأمين المنـزلة العالية له والكرامة والعزة وتنفي حكم روما في حال وقع الخلاف بينه وبين أساقفته)). فالحاكم الشيعي اذا وقع الخلاف بين البطريرك والاساقفة كان ينتظر الحكم من روما اي الفاتيكان لحسم الخلاف بدون ان يمر ذلك بالعثمانيين او تتم مراجعة السلطنة العثمانية به، وهذا يدل على ان الحاكم الشيعي كان مستقلاً الى حد كبير عن العثمانيين، والحقيقة كما تثبت الوثائق ان الحكام الشيعة كانوا في حالة تمرد دائمة على السلطنة العثمانية لأنهم يعتبرون ان السلطان العثماني حاكم مغتصب وليس إماماً شرعياً، فتمردوا عليه وامتنعوا عن دفع الضرائب وحكموا مناطقهم باستقلالية ذاتية، وكان الوالي العثماني يضطر حفاظاً على الهيبة والمظاهر لاصدار مراسيم بتثبيتهم في مواقعهم، هكذا كان الوضع في جبل لبنان وبلاد بعلبك وجبل عامل، والتمرد الشيعي بوجه السلطنة العثمانية بدأ منذ الفتح العثماني وتواصل ولم ينقطع وبلغ ذروته في الثورة الشيعية العامة التي اندلعت وعمت مناطق جبل عامل وبعلبك وجبل لبنان عام 1685 واستمرت حتى العام 1710.
# أين بدأت هذه الثورة؟
– بدأت في جبل لبنان، وكان يومها يسمى جبل سرحان نسبة الى احد قادة الشيعة الذي قاد التمرد ضد العثمانيين وانتقلت الثورة الى جبل عامل وبلاد بعلبك والبقاع.
# وما أسباب الثورة؟
– منذ البدء، اي منذ الفتح العثماني كانت العلاقة متوترة بين السلطنة والشيعة والسبب الرئيسي ان الدولة العثمانية كانت تصدر مراسيم باسم السلطة الدينية وباسم السلطة الزمنية تعتبر الشيعة متمردين وعصاة وخارجين عن الدين وتحل قتلهم، وتعتبر زواجهم زنى والتوارث بينهم باطلاً، وهناك اكثر من عشر فتاوى بهذه المعاني صدرت عن شيوخ الاسلام في اسطنبول في تلك الفترة اذ كان كل شيخ اسلام يعمد حين يستلم مهامه الى اصدار مرسوم يتضمن السياسة العامة وفيه ان الشيعي خارج عن الدين وان قتله واجب على المسلم، وهذا ما جعل الشيعة بالغريزة يلجأون الى الدفاع عن النفس، فتمردوا وتمرسوا بالقتال والثورات وسعوا لحكم انفسهم بأنفسهم.
# هل هناك اسماء عن قادة الثورة؟
– هناك اسماء شيعية وهناك اسماء عثمانية قادت الجيوش لاخماد الثورة، وهؤلاء كانوا من اشهر وألمع القادة العثمانيين، وبعضهم كان بمرتبة الصدر الاعظم ومنهم الصدر الاعظم علي باشا وارسلان باشا وطورستم باشا وهو من اكبر القادة العسكريين وتوزولتو باشا ومصطفى باشا، وهؤلاء كلهم فشلوا في حملاتهم العسكرية لاخماد الثورة، اما في الجهة المقابلة فأبرز الاسماء من قادة الثورة سرحان الشيعي الذي بدأت الثورة معه بعد ان فشلت مفاوضات بدأها مع السلطنة العثمانية سعى خلالها لوقف التوترات وتجنب الحرب، فدعا السلطان العثماني لأن يتراجع عن السياسة المتبعة ضد الشيعة لأنها سياسة لا تترك للشيعة خياراً سوى القتال دفاعاً عن النفس، ولكن السلطان لم يستجب لهذه الدعوة فبدأت الثورة بعد فشل تلك المفاوضات واللافت ان جبل لبنان في الوثائق العثمانية كان اسمه ((بلاد سرحان)) وأحياناً جبال سرحان وأطلقت هذه الوثائق على السكان اسم ((السرحانيين)).
# هل كان للشيعة شروط او مطالب محددة؟
كان هناك مطلبان للشيعة الاول ان يحكموا انفسهم، اي ارادوا حكماً ذاتياً ضمن السلطنة العثمانية، والثاني عدم دفع الضرائب والقناصل الاجانب وخاصة الفرنسيين الذين تابعوا هذه الثورة، واستندتُ الى كتاباتهم وتقاريرهم، قالوا في تلك الوثائق، ان مطالب الثورة هي هذان الامران: الحكم الذاتي وعدم تدخل السلطنة بالشؤون الشيعية الداخلية، وعدم دفع الضرائب للباب العالي.
# هل لقيت هذه الثورة دعماً من اية جهة خارجية؟
– تاريخ لبنان في الحقبة العثمانية تميز بأن كل مجموعة لبنانية اصبح لها راعٍ دولي، ما عدا الشيعة، اذ لم يثبت في اية مرحلة ان الشيعة كان لديهم راعٍ دولي او دولة اجنبية تساعدهم وتحميهم ولذلك فإن كل الذين كتبوا عن لبنان في القرن الثامن عشر والتاسع عشر تنبأوا بانقراض الشيعة من لبنان وبزوالهم لأن الظروف السياسية وتقلبات الاحداث سوف تسحقهم في ظل غياب اي دعم لهم، ومن اشهر من تنبأ بذلك المستشرق بول هيه الذي رأى ان الشيعة في هذه المنطقة الى زوال لأن القوى المناهضة لهم اقوى منهم بما لا يقاس.
# المشهور ان الحكم العثماني كان ظالماً ومستبداً تجاه فئات اخرى من اللبنانيين، ألم يلق الشيعة اي دعم او مساعدة من تلك الفئات؟
– السنة كانوا يعتبرون انفسهم طائفة الدولة العثمانية، اما الطوائف الاخرى فاكتفت بايجاد دول او اطراف خارجية تحميها من الدولة العثمانية، ومعظم هذه الطوائف نجحت في هذا التوجه فالموارنة حمتهم فرنسا، والارثوذكس حمتهم روسيا، والدروز حمتهم فرنسا اولاً ومن ثم انكلترا.
# لماذا لم يجد الشيعة من يحميهم كالآخرين؟
– لعل السبب الرئيسي هو سبب ديني، فالقانون العثماني كان فيه قانون خاص بأهل الذمة الذي خضع له المسيحيون واليهود، وبموجب هذا القانون، كان لهم وضع افضل من الشيعة بكثير، فمثلاً، هم يدفعون الجزية مقابل الخدمة العسكرية مع التأمين على حياتهم وسكنهم، اما الشيعة فكانوا يعتبرون خارجين عن الملة والدين، اي هم متمردون ومن واجب الدولة العثمانية القضاء عليهم.
# والدروز؟
– هناك مسألة هامة تتعلق بالتعامل العثماني مع الدروز والشيعة، وهي ان الدروز في مذهبهم الفقهي لا يتعرضون لمسألة الامامة، في حين ان الشيعة يعتبرون تاريخياً ان الخلافة الاسلامية غير شرعية، وهذا ما جعل الدروز أقل تعرضاً للاضطهاد من الشيعة، ومع ذلك فإن آخر مرحلة من الثورة الشيعية شهدت تعاطفاً من جبل الدروز، وقد دفع الحاكم الدرزي الامير احمد المعني ثمن هذا التعاطف فتم عزله، وفي المرسوم العثماني الذي صدر سنة 1694 بعزله كانت التهمة انه يساند ((القزلباش)) وهو اسم ترجمته الحرفية ((الرؤوس الحمر))، وكان العثمانيون يطلقونه على الشيعة اللبنانيين.
والدولة العثمانية في تاريخها كله أعلنت حالة الطوارىء مرتين فقط، الأولى حين قام الصدر الاعظم عثمان يكن باشا بالتمرد على السلطان في البلقان وانفصاله عنه، فأعلن السلطان حالة الطوارىء، وكان يطلق عليها ((حالة النفير))، والمرة الثانية حين اندلاع الثورة الشيعية وسمت الشيعة ((طريدة)) كما سمت أتباع عثمان باشا.
# ذكرت ان الحملات العثمانية فشلت في القضاء على الثورة فكيف استمر الوضع بعد ذلك وإلى متى؟
– بعد فشل العثمانيين، تعزز الوضع الشيعي كثيراً في جبل لبنان وجبل عامل وبلاد بعلبك والبقاع فحكموا باستقلال ذاتي منطقة تصل إلى حدود حلب تقريباً، وبعض الباحثين الغربيين في الوثائق، تحدثوا عن تلك الثورة وما نشأ عنها، وأطلقوا على المناطق التي حكمها الشيعة اسم ((جمهورية العصاة الحرة)).
# سرحان كان من قادة الثورة في جبل لبنان أو جبل سرحان، من غيره في المناطق الأخرى؟
– من قادة الثورة في البقاع شديد الحرفوش، وفي جبل عامل الشيخ مشرف الوائلي.
# إلى متى استمرت الثورة، وإلى متى استمر الشيعة في الحكم الذاتي؟
– انتهت الثورة سنة 1710 ونشأت بعدها ((جمهورية العصاة الحرة)) التي استمرت حتى العام 1760 تاريخ بدء حملة عسكرية عثمانية واسعة ضد الوجود الشيعي في لبنان، فانهارت بعدها جمهوريتهم وبدأ حكمهم ومن ثم وجودهم بالانحسار في مختلف المناطق، فشرّدوا وهجّروا من أماكنهم، وتعرضوا لموجات إبادة واقتلاع.
# لماذا في ذلك التاريخ بدأت هذه الحملة العسكرية، ما الذي تغير؟
– حصل اتفاق دولي بين البابوية وفرنسا والدولة العثمانية، على اثر بروز فكرة أوروبية بإنشاء دولة في لبنان شبيهة ببعض الدول البلقانية التي كانت تتمتع ببعض الاستقلال الذاتي، وتكون مسيحية الوجه والتوجه، وموالية للغرب.
# هذا يفسر مقولة لبنان ذو وجه عربي، أي له وجه آخر غربي؟ ويفسر أصل الدعوات المتداولة لإنشاء الوطن المسيحي في لبنان؟
– أنا أقول ما ورد في الوثائق، وفي هذه الوثائق ان أول من فكر، أو ان صاحب فكرة إنشاء دويلة مسيحية هو قنصل فرنسا في حلب فرنسو بيكيت الذي كان له مراسلات دبلوماسية عديدة في هذا الشأن مع فرنسا والبابوية التي كان يوجد فيها مركز أو دائرة اسمها ((مجمع الايمان)) او ((البروباغندا) وقد تبنى هذه الفكرة لبناني لامع كان له دور كبير في الكنيسة البابوية هو سمعان السمعاني وكان يجيد اكثر من سبع لغات، وبتأثير منه بدأ العمل على فكرة انشاء دويلة مسيحية، او ((بيت ماروني)) او ((وطن قومي)) ومن ثم لقيت هذه الفكرة تأييداً من مسؤولين كبار في فرنسا منهم وزير الخارجية حينها الكونت دي جوفنيل، والكاردينال بازاران الذي اعتبر هذه الفكرة أمراً هاماً وحيوياً لأوروبا، ولم يعارضها السلطان العثماني لأن مبالغ طائلة من المال عرضت عليه.
# الام تستند في كل ما تقول وما هي بالتحديد المصادر التي تعتمد عليها في هذه الوقائع؟
– المصادر المكتوبة والمعروفة لا تأتي على ذكر كل تلك الاحداث اطلاقاً، والمصادر التي استندت اليها هي ثلاثة:
1- الارشيف العثماني.
2- التقارير الدبلوماسية للقناصل الاوروبيين الذين كانوا في تلك الفترة في لبنان.
3- وثائق الاديرة والبطريركية المارونية.
وقد حصلت على 845 وثيقة من شأنها ان تكشف وتكتب تاريخاً جديداً للبنان غير الذي نعرفه، فمثلاً مما لا نعرفه او نعرفه مغلوطاً معركة عنجر وهي الكذبة الكبيرة فهذه المعركة حصلت بين الجيش العثماني والشيعة، ولكن هناك من قلب هذه الواقعة وجعلها بين فخر الدين والعثمانيين، وكان قائد المعركة منذر الحرفوش بينما فخر الدين باعتباره حاكم جبل الشوف ومعيناً من الدولة العثمانية فقد قاتل الى جانب الجيش العثماني، بينما التاريخ الذي نقرأه اليوم يقول ان المعركة حصلت بين فخر الدين وبين العثمانيين والامير يونس الحرفوش الشيعي وقف الى جانب العثمانيين، ونقلاً عن وثيقة للقنصل الفرنسي في ذلك الحين، فإن اربعة آلاف عسكري شيعي خاضوا معركة عنجر ضد العثمانيين، وفي وثيقة اخرى عثمانية من حافظ باشا مرسلة الى والي الشام تقول عن اسباب المعركة: ((اساء يونس معاملة أهل السنة، وضيق عليهم وأجبرهم على النـزوح من بعلبك وباقي نواحي امارته الى دمشق، ان يونس رافضي والرافضة جريمة توجب قتال صاحبها))، وعندها ارسل والي الشام جيشاً لقتال يونس فاصطدم به في عنجر، ولكن هناك من قلب الوقائع وجعلها بين فخرالدين وبين والي الشام مصطفى باشا، وهناك وثيقة للمؤرخ المحبي وهو من عاصر معركة عنجر يقول فيها: ((اما العسكر الشامي فكانوا قصدوا محاربة اولاد الحرفوشي وإخراجه من بعلبك، وطلبوا من مصطفى باشا ان يخرج معهم فأبى اولاً وأمر بالتريث فلم يرضوا الا بخروجه فخرج بعد ان كتب عليهم حجة في ذلك، فلما تقاتل الفريقان حصل كذا وكذا..))، وهذا المحبي كان من رجال والي الشام.
# هل يعقل بوجود هذه الوثائق الا يعرف احد بهذه الوقائع وهذا التاريخ؟
– هذه الوثائق لم تكن موجودة، الآن اصبحت موجودة والآن يتم الكشف عنها.
حوار احمد الموسوي