Header Ad

التصنيفات

يوم الغدير… الذكرى السنوية لاجتياح الجيش الوهابي لمدينة كربلاء في 1802

بحث وتحقيق: محمد حميد الصواف

اقترن تاريخ الحركة الوهابية منذ تأسيسها بالكثير من الجرائم والمجازر البشعة التي تم ارتكابها بحق المسلمين عموما، سيما خلال فترة ما يعرف بتأسيس مملكة آل سعود الاولى، حيث دون الكثير من المستشرقين والمؤرخين ممن عاصروا تلك الحركة منهجية العنف والتطرف الأعمى الذي أباح بالتوافق مع تشريعات قادتهم الدينيين والسياسيين انتهاك حقوق كل من كان لا ينزل على معتقدهم أو من يخالف بالرأي أينما حلوا، حتى استطاعوا بسط هيمنتهم وسلطانهم على نجد والحجاز بحد السيف، مدينة اثر الأخرى على التوالي بعد أن أذاقوا سكانها هول همجيتهم الوحشية.
هذا الامر انسحب ايضا على المدن والحواضر التي كانت تجاور حدود سلطان تلك المملكة السعودية الناشئة، ولم تسلم من أذى رجالاتها وغدر قادتها، اذ يسرد لنا التاريخ الكثير من الوقائع المؤلمة التي ألمت ببعض المدن العراقية التي طالها أذى ووحشية الجيش الوهابي السعودي نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كمدن النجف الاشرف وكربلاء المقدسة والسماوة والناصرية وغيرها.
مدينة كربلاء المقدسة انفردت عن بقية المدن العراقية بفداحة مصابها وهول فاجعتها، بعد ان أقدمت العصابات الوهابية على حين غرة في 20 نيسان – أبريل 1802 م، على اجتياح المدينة قبل أن تعيث بها فسادا وتدنس المراقد المقدسة وتنهبها، بعد إن استباحت دماء أبنائها وأموالها، مرتكبة مجزرة اهتز لها ضمير العالم الإسلامي والإنسانية جمعاء في تلك الحقبة.
تصف إحدى الوثائق الرسمية في أرشيف وزارة الخارجية الروسية المنقولة عن احد مواطنيها ممن تواجدوا على الأرضي العربية في تلك الفترة مشاعر الاشمئزاز والخوف التي شعر إزاء سلوك تلك العصابات المجرمة أثناء تدوين بعض آرائه حول فاجعة كربلاء، وما اقترفته أيديهم بحق المراقد المقدسة وأهالي المدينة.
يقول احد الباحثين الروس: “رأينا مؤخرا في المصير الرهيب الذي كان من نصيب ضريح الإمام الحسين مثالا مرعبا على قسوة تعصب الوهابيين. فمن المعروف أنه تجمعت في هذه المدينة ثروات لا تعد ولا تحصى وربما لا يوجد لها مثيل في كنوز الشاه، لأنه كانت تتوارد على ضريح الحسين طوال عدة قرون هدايا من الفضة والذهب والأحجار الكريمة وعدد كبير من التحف النادرة”.
ويضيف الباحث الروسي، “حتى تيمورلنك صفح عن هذه الحضرة، وكان الجميع يعرفون إن نادر شاه قد نقل إلى ضريح الإمام الحسين وضريح الإمام علي قسما كبيرا من الغنائم الوافرة التي جلبها من حملته على الهند، وقدم معها ثروته الشخصية”.
ويشير، “كانت الثروات الهائلة التي تجمعت في الضريح الأول تثير شهية الوهابيين وجشعهم منذ أمد طويل”.
ويلخص الباحث الروسي الأحداث الدموية التي وقعت بما يلي، “كان الوهابيون دوما يحلمون بنهب هذه المدينة وكانوا واثقين من نجاحهم لدرجة أن (دائنيهم) حددوا موعد تسديد الديون في ذلك اليوم السعيد الذي تتحقق فيه أحلامهم”.
وتابع، “ها قد حل هذا اليوم في الأخير وهو (20 نيسان – أبريل 1802 م) فقد هجم 12 ألف وهابي فجأة على ضريح الإمام الحسين، وبعد أن استولوا على الغنائم الهائلة التي لم تحمل لهم مثلها أكبر الانتصارات تركوا ما تبقى للنار والسيف”.
ويؤكد، “هلك العجزة والأطفال والنساء جميعا بسيوف هؤلاء البرابرة، وكانت قسوتهم لا تشبع ولا ترتوي فلم يتوقفوا عن القتل حتى سالت الدماء أنهارا”.
ويسترسل الباحث الروسي مشيرا، “نتيجة لهذه الكارثة الدموية قتل أكثر من أربعة آلاف شخص، ونقل الوهابيون ما نهبوه على أكثر من أربعة آلاف جمل، وبعد النهب والقتل دمروا كذلك ضريح الإمام وحولوه إلى كومة من الأقذار والدماء”.
ويختتم، “حطموا خصوصا المنابر والقباب لأنهم يعتقدون بأن الطابوق الذي بنيت منه مصبوب من ذهب”.
أما الكاتب الانجليزي الأصل سنت جون، الذي اظهر الإسلام و أقام مدة مديدة في نجد، وكان له علاقة مع السعوديين ثم توترت العلاقات بسبب تسجيله الحوادث التاريخية المرّة، فيقول في مذكراته تعقيبا على أصداء فاجعة كربلاء، “الحقّ أن ‌يقال إن عملهم هذا هزّ العالم كله فضلاً عن الشيعة فقد كان منعطفا تاريخياً للثورة علي الوهابيين، كما أدى فيما بعد إلي عواقب وخيمة علي سلطة هذه الإمارة الضالة”.
ويسرد الفاجعة قائلا، “اقتحم سعود بجيش أبيه كربلاء و بعد حصار قصير أعمل السيف في رقاب أهلها، ودمر ضريح الحسين عليه السلام و نهب المجوهرات التي كانت تغطّي الضريح و جمع كل شيءٍ ذا قيمة من المدينة، أن الوهابيين قتلوا في هذا الحادث خمسة آلاف إنسان وجرحوا عشرة آلاف”.
ويتفاخر احد رجالات الوهابية الضالة بجريمة أبناء جلدته الشنعاء التي سفك على إثرها دماء آلاف الأبرياء من المسلمين، فضلا انتهاك حرمة مدينة كربلاء المقدسة، لتكون دون دراية منه دليلا مضاف الى باقي أدلة الإدانة الدامغة التي حفظها التاريخ.
فينقل عن عثمان بن بشر النجدي مؤلف كتاب “عنوان المجد في تاريخ نجد” أن ابن سعود ارتكب مذبحة في كربلاء عام 1801 وسجل النجدي بفخر تلك المذبحة قائلا، “أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها وأخذنا أهلها فالحمد لله رب العالمين ولا نعتذر عن ذلك ونقول: وللكافرين أمثالها”.
ويضيف ابن بشر مزهواً بجريمة ابن سعود، “قصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين، وذلك في ذي القعدة فحشد عليها، وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة، وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت، وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك ما يعجز عنه الحصر”.
بدوره يشيد محمد حامد الفقي، وهو من المتحمسين للوهابية، بمجزرة كربلاء وما اسماه دور “جند الإسلام” الوهابي، فيقول: “توجه سعود في ذي القعدة من سنة 1216هـ / 1801م بجموع كثيرة وقوة عظيمة إلى العراق والتقى في كربلاء بجموع كثيفة من الأعاجم ورجال الشيعة (يشير هنا الى الزوار العزل) الذين استماتوا في الدفاع عن معاقل عزهم ومحط آمالهم، قبة الحسين وغيرها من القباب والمشاهد”.
ويسترسل الفقي، “كانت موقعة هائلة وكانت مذبحة عظيمة سالت فيها الدماء أنهاراً، خرج منها سعود وجيشه ظافرين ودخل كربلاء وهدم القبة العظيمة بل الوثن الأكبر المنصوب على ما يزعمون من قبر الحسين بن علي”.
مطالبات باستعادة النفائس وتعويض ذوي الضحايا
مأساة تعتصر لها قلوب المؤمنين من أهالي كربلاء والعراقيين في ذكرى عيد الغدير الخالد، اجتمعت في ثناياها أكثر من غصة ابتداء من تخريب المرقد المقدس لسبط رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، إلى جانب سقوط آلاف المؤمنين شهداء وهم يذودون عن أنفسهم وأعراضهم، لا لذنب سوى إنهم ادنوا بالولاء لرسول الله وعترته المطهرة، وفرصة سانحة لأطماع الوهابيون في سرقة كنوز المدينة ونفائسها التاريخية التي لا تقدر بثمن.
ويرى العديد من أهالي كربلاء ضرورة التوجه بالدعوة إلى مختلف المنظمات الحقوقية والإنسانية، تسبقها دعوة الى الحكومة العراقية تطالب بإجراء تحقيق دقيق وجمع الأدلة والبيانات التي توثق لتك الفاجعة والتقدم بدعاوى قانونية من خلال المحافل الدولية ومنظماتها العدلية لإقرار تلك المجزرة التي تدين آل سعود، سيما أنهم لا يزالون يستولون على مقاليد السلطة في السعودية، وتعويض أهالي المدينة واسترجاع الكنوز والنفائس التي تم نهبها.