Header Ad

التصنيفات

لقاء تاريخي بين مرجع الشيعة والملك الاردني

قصه لقاء المرجع السيد ابو الحسن الأصفهاني مع الملك عبد الله (الأول) ملك الاْردن

و هذه قصة تدل على عظمة هذا السيد الجليل واعتداده بدينه، وقد وقعت أحداثها أثناء زيارة الملك عبدالله ملك الأردن السابق للعراق , ورواها السيد باقر الحسني المعروف بباقر البلاط وزير التشريفات في عهد الملك العراقي السابق الملك فيصل.

لما ورد الملك عبد الله (ملك الأردن) ضيفاً على الملك فيصل في بغداد، رتّبتُ له زيارة إلى حرم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان من العادة أن يتم لقاء الضيوف والوفود مع مراجع الدين في الحرم الشريف أيضاً، المرجع الأعلى في ذلك الوقت هو السيد أبو الحسن الأصفهاني الذي كان متصدياً لرئاسة العالم الشيعي.

وهكذا خرجتُ مع الملك عبد الله في سيارة التشريفات الخاصة، ومعنا الحماية وأعضاء الوفد المرافق. وكان الموكب مهيباً للغاية، وكان الملك من شدة تبختره لم تسعه ثيابه الملكية المزيّنة بالمجوهرات والنياشين، يتكلم بتكبّر، ولا يرى قيمة لأحد من الجالسين حوله.

فقلتُ في نفسي حينئذ.. كيف سيكون لقاء مثل هذا الإنسان مع مرجع المسلمين الشيعة، أخشى أن يحصل ما لا يسرّني، فتوسلت من كل قلبي بالإمام علي (عليه السلام) أن يريه عظمة المرجعية عندنا. فكنت أحاول في الطريق أن أمهّد لهذا اللقاء بالكلام حول شخصية السيد أبي الحسن الأصفهاني ومكانته العلمية والدينية في العالم الإسلامي وانقياد المسلمين الشيعة إلى أوامره، وإنه رئيس النجف مدينة العلم والعلماء ومركز الإشعاع الديني.

فقال لي الملك وهو لم يُعر بالاً لكلامي(أنت شيعي، والشيعة يغالون في مدح علمائهم).

قلتُ: من أين لك هذا الانطباع الخاطئ عن الشيعة؟

قال: أنا صديق للدولة العظمى (الإنجليز)، وقد أخبروني عنكم كثيراً!

يضيف الوزير السيد باقر بلاط: أخذ الملك عبد الله يتكلم باستهزاء، وفي نفس الوقت يذكر حكومة بريطانيا باحترام وعظمة، حتى وجدته يشعر بالحقارة أمام الإنجليز، فاستغربتُ لهذا الملك الفاقد لعزته أمام المشركين والمتعزّز هكذا على المسلمين!

وبينما يقترب موكبناً إلى النجف الأشرف زاد خوفي من اللقاء بينه وبين السيد الأصفهاني، سيما أن السيد لم تكن لغته العربية فصيحة وأما الشيخ النائيني فأذنه كان ثقيلاً يصعب عليه السمع، والملك لا يرفع صوته بالتأكيد!

كنتُ متحيِّراً ماذا سيحدث بعد قليل؟

فوّضت أمري إلى الله، وخاطبتُ الإمام علي (عليه السلام) في قلبي، أن يحفظ ماء وجهي ويحافظ على عزّتنا أمام هذا الملك المتبختر. ومن أجل احترام طرفي اللقاء كانت طريقة دخولهما تتم عبر بابين منفصلين ينفتحان على الضريح الشريف من جهتين متقابلتين، فيجلس الملتقون عند الضريح في وقت واحد.

وهكذا التقى الطرفان، بل التقى المتباينان، إذ كانت هيئة المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني هيئة الزّهاد، وهيئة الملك المتكبّر هيئة الساخرين!

فبعد العناق والتحيات وكلمات جانبية وجّه السيد المرجع السؤال التالي إلى الملك:

من أين تؤمَّن الموارد المالية للأردن؟

كان السؤال بالنسبة إلى الملك محرجاً، وغير متوقع! فأجابه الملك عبد الله: نحن دول صغيرة، لابد لتأمين وضعنا سياسياً واقتصادياً أن نعتمد على الدول العظمى! لقد تكلّفت بريطانيا بتزويدنا المياه الصالحة للشرب وتأسيس محطة كهرباء، ونحن لها من الشاكرين الأوفياء!

واستمر الملك يمجّد في الإنجليز، وإنهم عقول مفتّحة ومتطوّرة. فردّ عليه السيد أبو الحسن (رحمه الله):

أليس من المؤسف أن نمدّ (نحن المسلمين) أيدينا إلى المشركين؟ في اعتقادنا أن هذه ذلة وإهانة، إنني مستعد أن أمدّكم بالمال قدر ما تحتاجون لتعتمدوا على أنفسكم وتستغنوا عن الدعم البريطاني المشروط بالتبعية السياسية والثقافية.

فوقع الملك صغيراً بين يدي السيد، فانكمش واعتدل في مجلسه بعد تلك الفرفشة والتكبّر، إذ وجد نفسه أمام رجل ذي يد مفتوحة لمصالح المسلمين وذي وعي سياسي لا يستهان، ينظر إلى أفق بعيد.

ثم انتهى اللقاء بتوديع الملك، ودعاء السيد الأصفهاني لعزة الإسلام والمسلمين، وشكرتُ الله تعالى بهذا الموقف المشرِّف لمرجعنا العظيم. وفي طريق العودة إلى بغداد، قال لي الملك عبد الله، وهو غارق في التفكير: (يا سيد باقر.. كل ما ذكرته لي عن عظمة هذا السيد كان قليلاً. إنه في اعتقادي أعظم ممّا ذكرته).